العلاقة بين الجندر و القانون في السياق التونسي من منظور كويري يسائل سلطة الدولة على الجسد و الهوية
- Trans Unity Coalition Tn
- 12 يوليو
- 7 دقيقة قراءة
تاريخ التحديث: 13 يوليو
الكاتب :
آدم الميموني
ناشط كويري و عضو مؤسس لائتلاف اتحاد العابرين و العابرات بتونس

لا يزال التصنيف الجندري في الوثائق الرسمية في تونس يُمثّل إحدى أكثر الأدوات القانونية تعبيرا عن عنف الدولة الرمزي و المؤسّساتي ضد الأشخاص العابرين و العابرات جندريا ++. فغياب إطار تشريعي واضح يضمن حق الأفراد في تعديل بياناتهم الجندرية يكرّس الإقصاء، و يُشرعن العنف القانوني، و يجعل من الاعتراف بالهوية مسألة تقديرية تُترك لاجتهاد القضاة و خلفياتهم الشخصية. و رغم صدور بعض الأحكام القضائية المحدودة (التي تتمثل في حالتين واحدتين )، التي سمحت بتعديل الاسم أو التصنيف الجندري في حالات فردية معزولة، إلا أن تلك الأحكام كشفت أكثر عن هشاشة المنظومة القانونية، و خضوعها لبُنى طبية و أخلاقية محافظة، تقيّد حرية الأفراد في تقرير ذواتهم.ن+.
لا جدال في أن بطاقة الهوية و الوثيقة الرسمية بالنسبة للأفراد العابرين و العابرات ++ ليست مجرد ورقة ، بل هي مرآة قانونية يُقاس بها مدى شرعية ذواتهم.ن+ في عين الدولة. و بهذا المعنى، فإن الحق في تعديل التصنيف الجندري هو جزء من الحق في السلامة الجسدية و النفسية، و في الاعتراف الذاتي، و في العيش بكرامة دون عنف رمزي دائم.
تغيير التصنيف أو المؤشر الجندري في الوثائق الرسمية - تفكيك للعنف الرمزي و تحدٍّ للنظام القانوني الثنائي
في تونس، كما في أغلب السياقات القانونية للدول ذات المرجعيات المزدوجة (مدنية و دينية)، ما يزال النظام القانوني يتعامل مع الجندر باعتباره سمة ثابتة، تُحدّد بيولوجيا عند الولادة و يتم تقنينه من خلال الوثائق الرسمية. و بالتالي تُصنّف الأفراد وفقا لمعايير بيولوجية ثابتة، و هذا الواقع القانوني ( و الذي يمتد إلى الوسط المجتمعي و الانتماء الاجتماعي ) لا يعكس التعدد و التنوع الفعلي للهويات الجندرية و التجارب التي يعيشها الأفراد، لا سيما العابرين والعابرات جندريا ++، بل يعيد إنتاج أنماط العنف البنيوي و التمييز المؤسساتي تحت غطاء الشرعية القانونية.. و في هذا السياق ، فإن تعديل التصنيف الجندري لا يمثّل فقط تصحيحا إداريا، بل يعبّر عن تغيير جذري في موقع الشخص أمام الدولة، من "مواطن.ة+ مشكوك فيه.ا+" إلى "ذات مُعترف بها قانونيا".
الجندر في الوثائق الرسمية التونسية - من وسيلة للاعتراف إلى أداة تحكّم في ظل غياب الاعتراف
لا يمكن فصل التصنيف الجندري في الوثائق الرسمية عن البعد السلطوي الذي تمارسه الدولة على الجسد و المواطنة. فالخانة الجندرية، رغم بساطتها الشكلية، تجسّد تمثّلا عميقا لمنطق الضبط و المعيارية، حيث تتحوّل الوثائق الإدارية إلى أدوات ترميز تعيد إنتاج الثنائية الجندرية "القسرية"، و تُقصي كل من لا يتماشى مع هذا النموذج
إن الاعتراف القانوني بالهوية الجندرية، من خلال تعديل التصنيف الجندري في الوثائق، لا يُعد امتيازا أو ترفا قانونيا، بل هو جزء لا يتجزّأ من منظومة الحقوق الأساسية المرتبطة بالهوية، بالسلامة الجسدية، و حرية التعبير عن الذات. غياب الاعتراف القانوني لا يخلق فقط فجوة قانونية، بل يُشرعن ضمنيا ممارسات المراقبة و الانتهاك التي تُخضع الأشخاص العابرين و العابرات ++ لجملة من الإجراءات الإذلالية و التحققية المهينة، بدءا من التشكيك في هويتهم.ن+ في الإدارات العمومية، مرورا بالاستجوابات و الممارسات التعذيبية في مراكز الشرطة ، وصولا إلى العنف الرمزي و الجسدي في الفضاءات الطبية و التربوية و التشغيلية.
كما أن عدم مطابقة الهوية الجندرية المُعلن عنها مع ما يثبته السجل المدني يخلق حالة قانونية هشّة، تجعل العابرين و العابرات ++ عرضة للاحتجاز، الحرمان من الخدمات، و حتى الاتهام بالتزوير أو انتحال الصفة. فالدولة، حين ترفض تعديل التصنيف الجندري، لا تكتفي بإنكار الهوية، بل تؤسس لوضع قانوني هشّ و خطر، تضع فيه الفرد تحت الرقابة الدائمة، و كأن عليه أن يبرّر وجوده عند كل معاملة إدارية أو لحظة عبور في الفضاء العمومي.
و تصبح وثيقة الهوية التي لا تعترف بالهوية الجندرية للفرد أداة إذلال لا أداة تعريف. من يقف أمام موظف عمومي، أو ضابط شرطة، أو طبيب، أو إدارة الشغل و يُجبر على شرح "سبب عدم التطابق" بين مظهره و المكتوب في أوراقه، يعيش عملية تجريد من الكرامة. و بدل أن يكون القانون وسيلة للاعتراف و الإنصاف، يتحوّل إلى أداة تقييد و عقاب، أداة تُعيد إنتاج العنف البنيوي ضد الأجساد غير المطابقة للنمط و المعايير المحددة، و تمنح للبيروقراطية سلطة تقرير من يُعترف به كمواطن "شرعي"، و من يُترك على هامش الشرعية القانونية. لذلك، فإن الاعتراف القانوني عبر تعديل التصنيف أو المؤشر الجندري هو في جوهره مسألة كرامة و حرية ، وليس مجرّد مطلب مؤسسي "بيروقراطي" تقني.
غياب التشريع و توسّع العنف القانوني
في ظل غياب نصوص قانونية واضحة أو مسارات إدارية شفافة تمكّن الأفراد من تعديل مؤشرهم الجندري دون وصاية، يُترك العابرون و العابرات ++ تحت رحمة السلطة التقديرية للقضاة أو لموظفي الحالة المدنية، ما يفتح الباب أمام الانحيازات الشخصية و الدينية و السياسية. هذا الغياب التشريعي لا يمثل فقط تقصيرا قانونيا، بل يشكّل في ذاته بنية عنف صامتة ، أي عنف مؤسساتي يعمّق الهشاشة، و يُكرّس التمييز، و يجعل من الاعتراف القانوني بالهوية الجندرية مسألة حظ أو وساطة أو معركة قضائية طويلة.
حين يُستبدل النص القضائي بالاجتهاد الفردي
وسط هذا الفراغ أو الفجوة التشريعية، يجد القاضي التونسي نفسه مجبرا على الاجتهاد الفردي و تأويل النصوص، استنادا إلى مرجعيات متضاربة مثل فقه القضاء المقارن، أو الخبرات الطبية، أو حتى الخلفيات الشخصية و الموروث الثقافي و الديني الذي يرجع إليه القاضي.
و قد شهدت تونس حالتين قضائيتين بارزتين سُمح فيهما جزئيا بتعديل الهوية. في الحالة الأولى، أُذن لرجل عابر جندريا بتغيير اسمه و تصنيفه الجندري، بعد الاستناد إلى تقارير طبية تثبت "العبور الفيزيولوجي الكامل".
فيما يخص الحالة الأولى المتعلقة برجل عابر ، أين تم التقديم على مطلب لتغيير اسمه و مؤشره الجندري، و تم قبول المطلب من المحكمة الابتدائية بناء على تقرير طبي نفسي و جراحي، يثبت "الخضوع لعملية تصحيح الجنس"، و هو ما يعكس تمسّك القضاء بشرط التدخل الطبي كشرط أساسي للاعتراف القانوني. استند القاضي إلى الفقه المقارن و اجتهادات محاكم فرنسية و مصرية، و اعتبر أن الهوية الجندرية "الجديدة" تتماشى مع "الحقيقة الطبية المستقرة"، متجاوزا بذلك الفراغ القانوني الواضح في مجلة الأحوال الشخصية و مجلة الحالة المدنية.
أما في الحالة الثانية، فهي تخص امرأة عابرة جندريا، أذِن القاضي بتغيير الاسم فقط، دون المؤشر الجندري، بناء على تقييم "اجتماعي و نفسي" أقرّ فيه بأن "الاسم الأصلي يعرّض الشخص للسخرية و النبذ"، و بالتالي تم إصدار قرار تغييره باعتبار أن ذلك "يحمي الكرامة الإنسانية"، لكنّه امتنع عن تعديل المؤشر الجندري بحجة "عدم اكتمال العبور الفيزيولوجي".
في كلتا هاته الحالتين، تحوّلت الهوية الجندرية إلى مسألة تُحدّد عبر "الامتثال الطبي"، و ليس عبر الحق الذاتي في تصحيح الهوية.
هذا الوضع يُنتج قانونا موازيا، خاضعا لتقدير القضاة أكثر من خضوعه لمبدأ المساواة أمام القانون. إذ أن مصير شخص عابر.ة+ قد يتوقّف على مدى تقبّل القاضي لهويته.ا+ ، أو اقتناعه بـ"جدية حالته.ا+"، و كأن الاعتراف مشروط دائما بعبور ما يشابه امتحانات طبية، نفسية، و أخلاقية. ما يجمع الحالتين هو أن القاضي لم يستند إلى نص قانوني صريح، بل اعتمد السلطة التقديرية، إما بناء على تقارير طبية نفسية أو على معايير أخلاقية ضمنية تعكس تصوّرا محافظا للهوية.
و بالتالي لم يكن الاعتراف القانوني اعترافا بالحق في الهوية المعلن عنها، بل كان مرهونا بمقدار "المطابقة البيولوجية" أو "مدى الحرج الاجتماعي" الذي يتعرّض له الشخص، و هو ما يعيدنا إلى نفس منطق الوصاية الطبية و القانونية على الأجساد و الهويات الكويرية.
و الأكثر خطورة أن غياب هذا المسار يُشرعن ضمنيا العنف المجتمعي و السياسي ضد العابرين والعابرات +. فالدولة، حين لا توفر إطارا قانونيا لحمايتنا، تبعث رسالة مفادها أن وجودنا غير نظامي، و أن حقوقنا ليست أولوية. و هنا يصبح القانون جزءا من منظومة الإقصاء، لا وسيلة لتحقيق العدالة.
و في هذا السياق فإن هذا الاجتهاد القضائي، و إن كان في بعض الأحيان إيجابيا في نتائجه المباشرة، إلا أنه يكشف هشاشة المنظومة القانونية.. فحقوق الأشخاص العابرين والعابرات + تُعلَّق على اجتهاد شخصي لا يمكن تعميمه، ما يفتح المجال أمام قرارات متناقضة و تفاوت صارخ في ضمان الحقوق الأساسية.
الحق في الهوية الجندرية كحق إنساني أساسي
من منظور حقوق الإنسان، يشكّل الاعتراف بالهوية الجندرية جزءا لا يتجزأ من منظومة الحقوق الأساسية التي كرّستها المواثيق الدولية، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية، و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فحرية الهوية، و حرية التعبير عنها، و الاعتراف القانوني بها، كلها مرتبطة جوهريا بحق الشخص في الكرامة و المساواة و عدم التمييز..
تقارير المقررين الخاصين للأمم المتحدة بشأن العنف و التمييز على أساس الهوية الجندرية أكدت مرارا أن اشتراط الجراحة، أو التشخيص الطبي القسري، أو أيّ شرط معقد أو تعجيزي لتعديل المؤشر الجندري، يُعدّ انتهاكا لحقوق الإنسان.
في الوقت الذي تتقدّم فيه دول في الجنوب العالمي نحو إقرار قوانين قائمة على مبدأ "التصريح الذاتي"، تظل تونس جامدة أمام تغييرات و تعديلات قانونية حاسمة كان من الممكن أن تعيد الاعتبار لمبدأ المساواة أمام القانون.
الوصول الآمن للخدمات العامة: من الحق إلى العقبة
كما هو الحال في تونس، لا تزال الخدمات العامة تُبنى على افتراض هوية جندرية ثابتة و مطابقة لما هو مذكور في الوثائق الرسمية. هذا الواقع يجعل من العبور الجندري تجربة قاسية و محفوفة بالمخاطر في الفضاء العمومي، خاصة في المؤسسات الصحية، التربوية، و الإدارية. إذ يُعامل العابرون و العابرات++ غالبا على أساس تصنيفهم.ن+ في الوثائق، لا على أساس هويتهم.ن+ الفعلية، ما يؤدي إلى صدامات متكررة مع الموظفين، الإطارات الطبية، أو المسؤولين الإداريين.
و تُسجل شهادات عديدة لأشخاص رُفضت معاملاتهم.ن+، أو مُنعوا من دخول مرافق أساسية، فقط لأن تصنيفهم الجندري "لا يتطابق" مع مظهرهم.ن+ أو اسمهم.ن+ المُعلن. في بعض الحالات، يتحوّل هذا التضارب إلى ذريعة لرفض العلاج أو التعليم أو حتى التوظيف. ما يعني و يفسر أن هذا لا يمكن إلا أن يكون شكلا من أشكال التمييز الممنهج.
إن تعديل التصنيف الجندري لا يحلّ جميع أشكال العنف، لكنه يُعيد الاعتبار للمبدأ الأساسي في القانون، بأن الشخص لا يجب أن يُحرم من الخدمة العامة بسبب هويته. إنه لا يمنح امتيازا، بل يرفع حاجزا يضعه القانون نفسه أمام فئة كاملة من المواطنين و المواطنات+.
عندما يصبح الجندر معركة من أجل الحق في الحياة
يصبح التقدّم نحو تشريع يضمن هذا الحق - في ظل هذا التصاعد للنزعات الرجعية - ، ليس فقط خطوة في طريق العدالة الجندرية، بل أيضا تموضعا واضحا للدولة في "خندق " حقوق الإنسان، و حماية الفئات اللواتي في حالة هشاشة من عنف و تهميش و قمع ممنهج.. الاعتراف القانوني بالعابرين والعابرات+ ليس تنازلا، بل هو مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها و مواطناتها +، و حجر أساس في معركة كويرية أوسع، تناضل ضد الوصاية الطبية، و التأطير الديني، و التجريم السياسي، من أجل بناء منظومة قانونية تُنصف بدل أن تُقصي، و تُكرّس المواطنة الشاملة التي لا تستثني أحدا، تماما كما نصّ الدستور التونسي.
إن النقاش حول تعديل التصنيف أو المؤشر الجندري مدخل ضروري لإعادة مساءلة علاقة الدولة بأجساد مواطنيها و مواطناتها+، و بفكرة الهوية نفسها كحق غير قابل للتفاوض.
و في هذا الإطار، تطرح الضرورة نفسها للانفتاح على مشاريع قانونية بديلة، تنطلق من مقاربات حقوقية و كويرية تقطع مع المنظورات الطبية و البيولوجية، و تؤسس لفهم أوسع و أكثر عدالة للجندر بوصفه تجربة معيشة لا تُختزل في ورقة هوية.
تعليقات